الجديد
26/04/2016
الشعوب التي استطاعت ان تبني لها حضارة وتاريخ تفتخر به كان العلم نبراس لها وهدف لابنائها، ولم ينتشر الاسلام الا بالعلم وكانت اول كلمة نزلت (إقرأ..). قال الشاعر: العلم يبني بيوتا لا اساس لها والجهل يهدم بيوت العز والشرف لقد تداولت مختلف الاوساط في الاونة الاخيرة قصة المعلم الذي ضرب وشتم الطالب ثم قام الطالب بالتشهير به عبر قنوات التواصل الاجتماعي ثم قامت ادارة التعليم باذلال المعلم من اجل ارضاء الطالب والظهور بمظهر العدل والانصاف على حساب العملية التعليمية ككل، وعلى حساب جودة مخرجات القنوات التعليمية التي تظهر النتائج سوءها في كثير من المواقف. ايضا اتت الكثير من اللقاءات المجتمعية والمجالس الى هذه الحادثة واختلفت الآراء فيما بينها فيما جرى ولكنها اجتمعت على ان عملية اختيار المعلمين ليست جيدة وان الاساءة للمعلم يضر بالعملية التعليمية ككل. في احدى تلك المناسبات اثار أحد الزملاء زاوية مهمه من الموضوع وهي ان العملية التعليمية عبارة عن منظومة متكاملة لا يمكن نقد جانب واحد وترك الجانب الاخر. فعلا التعليم منظومة متكاملة، وبعد التفكير فيها بعمق أجد ان ادارة المجتمعات تحتاج الى تحقيق عملية موازنة كبيرة لكل الاحتياجات وتحقيق الاهداف المستقبلية والاخلاقيات دون الضغط على المجتمع والناس في توفير احتياجاتهم المالية. فان اختل التوازن بين الحاجات وتحقيق الاهداف والاخلاقيات اختلت القدرة في التحكم في ادارة المجتمع واول ما يخترقه هو دعائم الاخلاقيات. تعتمد العملية التعليمية كما هو الميزان الطبيعي للتوازن على ثلاثة ركائز تحقق النجاح والتوازن في العملية التعليمية وهي الانسان والمكان والمنهج. لو نظرنا للعنصر الاول وهو الانسان لوجدنا ان هناك ثلاثة عناصر مهمه وهي المعلم والطالب والاداري فالمعلم يجب ان يكون عالي الكفاءة لديه الرغبة في التعليم ويمر بمراحل تدريب وتطوير مستمر لممارسة التعليم وتحقيق الإنجاز والجودة. ويتطابق ذلك مع الاداري الذي يقوم باختيار المعلم المناسب وذلك يعني ان يتم اختيار الطلبة اصحاب المعدلات الاعلى في القبول الجامعي عند التخرج من التعليم الثانوي حتى يتم التحاقه بكليات التربية والتعليم. من هنا نتحدث عن اختيار الافضل ليكون معلما، وعليه يجب ان يكون الكادر للمعلمين هو الاعلى حتى لا يفكر المعلم ان يبحث عن عمل الى جانب ذلك او يتاجر بالتعليم الخاص والدروس الخصوصية وحتى لا ينحرف بمسار التعليم ويعلم الابناء شراء ذمته بالمال والتعليم الخصوصي. مناهج التعليم بالكليات يجب ان يتبنى في 50% من مناهجه على الاقل الالتزام بمعايير أخلاقية وتطبيق تلك المعايير والمفاهيم واحترام الحريات وادب التعامل والعلاقات العامة والتربية النفسية وتشجيع التعليم والتطوير الذاتي واحترام حقوق الاخرين والعمل الجماعي واحترام الراي الاخر. هذه اخلاقيات علمنا اياها ديننا الاسلامي الحنيف الا اننا لا نمارسها بطريقة صحيحة ولكنها اسس بناء الخلق العظيم الذي تحلى به رسول الامة عليه أفضل الصلاة وأشرف التسليم، قال تعالى (وإنك لعلى خلق عظيم). اما بالنسبة للطالب فيجب توجيهه وتعليمه المعايير الأخلاقية التي نرغب ان ينمو عليها جيل المستقبل منذ لحظة دخوله الروضة وبنهج منضبط وفي جميع مراحله التعليمية، ولا يعني ان خطا صادر من معلم يؤدي الى اهانة المعلم وتركيعه للطالب فان ذلك في الواقع يدمر الركائز الاساسية التي يتعلمها الطالب مهمها كان نبوغه فهي مؤشر لذلك النبوغ بالانحدار او التوجه الى زاوية اخرى قد تكون سلبيه على بلده ومجتمعه لان الاسس الاخلاقية في احترام المعلم والتعليم والكبير قد تم تدميرها ولكن في جميع الاحوال يجب ان تكون هناك اجراءات نظامية لحفظ حقوق كل طرف ومنع تجاوز الطالب قبل منع تجاوز المعلم والذي ايضا يجب ان يحاسب ولكن بقدر مع الاحتفاظ بشخصيته التعليمية او ابعاده تماما عن المنظومة التعليمية او منظومة المعلمين بحسب الحالة وعبر تقييم دقيق وبحذر شديد. اما بالنسبة للمنهج فيجب ان تراعى تفاصيله منذ الروضة كان يكون التركيز على النواحي الاخلاقية والانضباطية في سلوك الانسان بنسبة لا تقل عن 90% و10% فقط تركز على الجانب التعليمي. وذلك مثل ممارسة اعمال النظافة في المدرسة الحرص الامني، عدم تجاوز حقوق الاخرين، الانضباط في الحضور ودخول الابواب بحسب الأولوية وبنظام ومبدأ الوصول الاول الى الموقع، احترام الكبير، احترام العالم، عدم رمي المخلفات الا في المكان المناسب لها، ضبط اللسان، .... الى غير ذلك من المتطلبات السلوكية والاخلاقية في مجتمع المستقبل. ثم يتدرج في زيادة الجرعات التعليمية بمنهجية سلوكية فتنخفض المناهج السلوكية ولكنها تتحول الى سلوك عام يتم ممارسته اضافة الى تطوير السلوك الى احترام وجهات النظر والسماح بالبحث الحر والتحليل وتبادل الآراء وهكذا تتدرج الامور في زراعة الخلق الرفيع كسلوك وليس كلام فقط. اما بالنسبة للمكان فان نظافة المكان يساعد على توجيه الطالب في انتهاج سلوك المحافظة عليها وكذلك اناقته يرفع مستوى الذوق لدى الطالب ووجود معامل ومختبرات ومكتبات تعليمية تساعد الطالب على مبدا البحث العلمي وتطوير الذات عبر دورات تدريبية داخلية تضيف الى معارفه ولا تدخل ضمن مناهجه، ولكن تعطيه الفرصة للتطوير الذاتي وتعطى له مقابلها منافع تحفيزية وينطبق الامر ايضا على النشاطات الرياضية استغلالا وتطويرا للمواهب. فعلا الامر يتطلب النظر الى المنظومة التعليمية برمتها إذا أردنا ان نفكر في مستقبل الوطن ومجتمعه وحضارته المبنية على التعاليم الدينية السمحة والقادرة على انتهاج مسيرة القيادة والبناء. هذا المقال تم نشره في جريدة البلاد السعودية في يوم الاحد الموافق 24 / 04 /2016 م